العودة الى الطفولة
محمد عبدالله الحســو - 21-10-1979
و إذا أنا طفلٌ جديدْ
يَسعى بِدربٍ عابقٍ بِرؤى الطُفولةِ و الصِبا
مُحْزَنُ آلأَعماقِ يَرنو للزُقاقِ على لهيبْ
و يداهُ تَهْفوانِ لِطَرْقَةٍ فيها آلحنانْ
مِنْ بَعدِها بابٌ يُرَحِّبُ بالقُدومْ
و أبي هناكَ بِلُجَّةِ آلكُتُبِ الكِبارْ
و كأنه قد غاصَ في بحرٍ عميقْ
و هناك أمي بالفَناءْ
في كفِّها خُبزُ الرِقاقْ ، تَرُشُّهُ وقتَ الظهيرةِ للغَداءْ
و بجَنبِها فَحمُ آلشِواءْ و مِلحُهُ قُربَ البَهارْ
و الشايُ قربَ الفحمِ أزَّ بصوتِهِ يَشكو الّلهيبْ
و القطَّةُ الصفراءُ تَجثِمُ قُربَها تَبْغَى الطعامْ
و القطةُ الصفراءُ تَرنو عينُها فيها الأمانْ
و تموءُ في لُطفٍ بديعٍ شَفَّهُ سِحرُ الجَمالْ
و البابُ يُطْرَقُ فَجْأةً فيثيرُ عَصْفاً من فرحْ
و يُطِّلُ من آفاقهِ وجهٌ حبيبْ
و الجَوُّ في تِشرينَ بَكَّرَ نَفحُهُ بشذى آلخريفْ
و الغيمُ لَوَّنَهُ الضياءْ ، و زانَهُ قوسُ قُزَحْ
و هنا ينادي هاتِفُ بمنارةِ الحيِّ القديمْ
"الله أكبر" معلناً نصفَ النهارْ
و أبي الإمامْ
بمَسجدٍ فيهِ القداسَةُ و الصَفاءْ
و أَراهُ يُسرِعُ للخروجْ
و يُشيرُ لي أسرِعْ إلى خيرِ آلصلاهْ
لكنَّ عِطراً للشِواءِ يَشُدُّني نحوَ آلبقاءْ
مُتناسياً ذاكَ الأذانْ ، مُؤَجِلاً حُلوَ الصلاهْ
سأَظلُّ في حُلُمِ آلطفولةِ و آلخيالْ
إني آستَحلتُ إلى صبيِّ حالمٍ يهوى الرُؤى
هذا أبي إني أشُمُّ دُخانَهُ من تبغهِ
مُتمازجاً بأَريجِ قهوتهِ آلتي فيها الشفاءْ
و أشاهدُ الأُمَّ الحنونْ
في مطبخٍ بينَ آلأَواني و آلدُخانْ
سأظلُّ أَطرُقُ دارَنا أَبدَ آلزمانْ
إني أُحِبُّ تُرابَهُ و كُلَّ شبرٍ في ثَراهْ
أهفو إلى سِردابهِ آلرطبِ العميقْ
دَرَجٌ تآكلَ تحتَ ضَغطٍ للزمانْ
لكنَّهُ حُلوٌ جميلْ
أَهفو إلى ذَيَّانِكَ السطحِ الحبيبْ
من خلفهِ ضوءُ المَنارةِ في المساءْ
يومَ الخميسِ معَ الدعاءْ
فوقَ المنارةِ في خُشوعْ
و معَ الصلاةِ على النبيّ ، معَ الأذانْ
و أَمَامَهُ رَحْبُ الطريقْ ، على كنوزٍ من خيالْ
و أُحِبُّ فيه "سُلَّماً"
يَحنو على أَحَدِ السُطوحْ
و أُحبُّ جيراناً لنا نَحوَ اليمينْ
و أُحبُّ جيراناً لنا نَحوَ الشِمالْ
ذِكرى تَظَلُّ طَرِيَّةً طَيَّ الفؤادِ و في العروقْ
لا الشيبُ يُذهِبُ سِحرَها في ذلكَ القلبِ اللهيفْ
كلاّ و لا القبرُ العميقْ
و الذكرياتُ خوالدٌ أَبدَ الزمانْ
تَسمو على العَدمِ الرهيبْ
و تُعيدُ عَهداً زاهراً للمتعَبينْ
بجناحِ طيرٍ للخيالْ.
محمد الحســو
21/10/79